العهد/ ترجمة روسي
في تقريرها المنشور عبر وكالة "ريا نوفوستي"، تكشف الكاتبة نادِجدا سارابينا، حجم المأزق الذي وصلت إليه أوكرانيا أمام مانحيها الغربيين، الذين لم يعودوا قادرين — أو راغبين — في تمويل حرب كييف بلا شروط. أوروبا منهكة، والولايات المتحدة متقلبة، وصندوق النقد الدولي قرر الانتقال من مرحلة “التوصيات” إلى مرحلة الإنذارات والضغوط المباشرة.
التقرير الذي ترجمته "العهد"، يوضح أن الغرب يبحث الآن عن مخرج مالي مشرّف من الورطة الأوكرانية، وأن أي تمويل جديد سيأتي مقابل شروط قاسية، أبرزها: رفع الضرائب، إلغاء الدعم، تسريع انهيار العملة، ومحاربة الفساد الذي أصبح، بحسب المانحين، أكبر عقبة أمام استمرار ضخ المليارات.
الصورة العامة: الغرب يشدد الخناق، وأوكرانيا أمام خيارين أحلاهما مر — الرضوخ أو الانهيار.
يفكر الاتحاد الأوروبي في كيفية التخلص من العبء المالي الثقيل، إذ أصبح تقديم المساعدة لأوكرانيا يتم بشكل متردد وباكراه. كما أن تفاقم قضايا الفساد في كييف يزيد من الاستياء العام في أوروبا. وبينما تدرس المفوضية الأوروبية خيارات مختلفة، يقوم صندوق النقد الدولي بفرض شروط صارمة على كييف.
شروط قاسية
بحسب وكالة بلومبرغ، يشعر صندوق النقد الدولي بقلق شديد من السياسة الضريبية في أوكرانيا. فالاقتصاد غير الرسمي، الذي يشكل أكثر من 30% من الناتج المحلي الإجمالي، إضافة إلى الامتيازات الضريبية التي لا يستطيع الدولة تحملها، كلها عوامل تزيد الوضع الهش هشاشة.
حزمة القرض البالغة ثمانية مليارات دولار، والتي كان الصندوق قد وعد بها سابقاً، أصبحت الآن موضع شك. وكانت كييف تأمل في الحصول على موافقة نهائية قبل نهاية العام، لكن يبدو أن شيئاً لن يحدث قبل يناير، فالمطالب الغربية مرتفعة للغاية.
يطالب الصندوق بشكل خاص بـ:
• إلغاء الإعفاءات الضريبية للعاملين لحسابهم الخاص،
• وإلغاء الدعم على الغاز للفئات الفقيرة،
• والمضي في الإصلاحات لمكافحة الفساد ودعم النمو الاقتصادي.
إضافة إلى ذلك، يضغط صندوق النقد الدولي على السلطات النقدية الأوكرانية من أجل السماح بتسريع انخفاض قيمة الهريفنيا، باعتبار أن ذلك سيزيد الإيرادات بالعملة المحلية دون الحاجة إلى ضخ أموال إضافية. لكن البنك المركزي يعارض هذا الاتجاه، إذ إن تدهور العملة سيؤدي إلى غضب شعبي واسع.
توضح المستشارة في الإدارة الاستراتيجية والأزمات، والمديرة العامة لشركة “فمستي.برو”، أوليسيا بريجنايا: “أوكرانيا ضعيفة للغاية، والامتيازات الضريبية تخلق بيئة غير متكافئة وتشوه المنافسة وتعرقل تعبئة الإيرادات الحيوية للإنفاق العسكري وإعادة البناء والدعم الاجتماعي. وفي ظل عجز هائل في الميزانية، فإن أي انخفاض في الإيرادات الضريبية يزيد اعتماد البلاد على الدائنين الأجانب ويقوض ثقة المانحين. لذلك يطالب الصندوق بظروف متساوية لجميع الفاعلين الاقتصاديين.”
كل شيء قانوني… على الورق
يقول نائب رئيس لجنة التعاون الدولي والتصدير في منظمة “أبورا روسيا”، نامير رادي، إن موقف الصندوق مفهوم: “أي مساعدة ماكرو-مالية تستلزم الالتزام بالانضباط المالي. ونظراً لأن العجز الأوكراني يُغطى بالكامل تقريباً من القروض الخارجية، فإن أي تخفيض في الضرائب يُعد مخاطرة غير مقبولة بالنسبة للمانحين.”
ويشير نائب مدير “مركز تطوير التشريعات” دميتري ماتيوشينكوف إلى أن الأمر يبدو قانونياً ظاهرياً: الدولة تقبل القرض طوعاً مقابل تنفيذ إصلاحات. لكنه يضيف: “قروض صندوق النقد الدولي دائماً لها وجهان: فهي تتحكم فعلياً باقتصاد البلاد. في هذه الحالة، يطالبون كييف بالتخلي عن التدابير الشعبوية. وفي النهاية، تصبح أوكرانيا مجبرة على الاختيار بين الاستقرار الاجتماعي والمال، علماً بأن وقف التمويل قد يؤدي إلى انهيار منهجي كامل.”
على مدى السنوات الأخيرة، كانت أوكرانيا تبني ميزانيتها على عجز قياسي تم تغطيته بالكامل تقريباً عبر التمويل الغربي. ففي عام 2024 بلغ العجز 43.9 مليار دولار. أما هذا العام فبلغ 37.3 ملياراً، لكن تم تعديل الميزانية مرتين بسبب ارتفاع الإنفاق العسكري. وفي مشروع ميزانية 2026، بلغ العجز المتوقع 47 مليار دولار، أي نحو 18.4% من الناتج المحلي الإجمالي.
ومع ذلك، لا يقدم صندوق النقد أي ضمانات. إذ قالت مديرة الاتصالات في الصندوق، جولي كوزاك: “لسنا مستعدين بعد لتقدير حجم احتياجات التمويل الخارجي لأوكرانيا.” وتضيف أن هذا الأمر لا يزال قيد النقاش مع كييف.
يرجع ماتيوشينكوف حالة عدم اليقين إلى الحرب المستمرة والمشكلات الهيكلية، قائلاً: “إنتاج الغاز انخفض بنسبة 60%، والإيرادات المتوقعة غير دقيقة، وفشل المفاوضات مع المستثمرين حول إعادة هيكلة ديون بقيمة 2.6 مليار دولار يؤكد انعدام ثقة الأسواق. كما أن كييف تتجاهل متطلبات الصندوق الرئيسية—محاربة الفساد وتحرير سوق الغاز—مما يثير الشكوك حول قدرتها على إدارة الموارد.”
“بعدكم فقط” — انتظار قرار أوروبا حول تجميد أصول روسيا
أخيراً، ينتظر صندوق النقد الدولي من الاتحاد الأوروبي أن يستخدم الأصول الروسية المجمدة لتمويل أوكرانيا.
ورغم عدم وجود إجماع، ومقاومة من مؤسسة Euroclear البلجيكية، فإن المفوضية الأوروبية تعمل بشكل نشط على هذا الملف.
وقالت المفوضية في بيان: “كما ذكرت رئيسة المفوضية أورسولا فون دير لاين سابقاً أمام البرلمان الأوروبي، نحن نتعاون الآن بشكل وثيق مع بلجيكا وبقية الدول بهذا الشأن… وتناقش ثلاثة خيارات.”
تشمل هذه الخيارات:
• مصادرة الأموال الروسية،
• أو قرضاً أوروبياً مشتركاً بضمان ميزانية الاتحاد،
• أو التزامات مالية من دول معينة.
المال سيأتي… لكن بثمن باهظ
ترجّح الخبيرة رادي، أن الغرب سيستمر في دعم كييف، ولكن بشروط أشد صرامة، خصوصاً في مجال مراقبة الفساد وإدارة المالية العامة. وتؤكد أنه في حال عصيان كييف قد يتم:
• تجميد بعض الدفعات المالية،
• أو التحول إلى تمويل مباشر للمشاريع متجاوزين الخزانة الأوكرانية،
كما حدث سابقاً حين أوقف الأمريكيون والأوروبيون دفعات بسبب مخالفات في المشتريات الحكومية.
ووفق ماتيوشينكوف، قد تصل التخفيضات إلى 20–30% من الدعم.
الخلاصة: الغرب يشدّ الخناق، وكييف مستعدة لفعل أي شيء مقابل “الترانش” التالي.
بشكل عام، يشدد الرعاة الغربيون قبضتهم. ففي نظرهم، مكافحة الفساد أصبحت شرطاً أساسياً لا يمكن تجاهله. أما كييف، فلا خيار أمامها إلا قبول كل الشروط مهما كانت قاسية، فقط للحصول على الدفعة القادمة من المساعدات.
