من يتصدرها يصبح "سيد العالم".. الذكاء الاصطناعي الساحة الجديدة للحرب الباردة
25-11-21 10:31:00

العهد/ ترجمة روسي

في هذا المقال المنشور في وكالة "ريا نوفوستي" الروسية للكاتب كيريـل سترِلنيكوف، يعرض المقال تحوّلاً استراتيجياً هائلاً في ميزان القوة العالمية، يقوم على محور واحد: الذكاء الاصطناعي بوصفه الساحة الحقيقية للحرب الباردة الجديدة.

تستعيد موسكو اليوم — كما يؤكد الكاتب — ما تنبّه له الرئيس فلاديمير بوتين منذ عام 2017، حين ربط مستقبل البشرية بالسباق على الذكاء الاصطناعي، محذّراً أن من يتصدّر هذه التكنولوجيا يصبح “سيد العالم”. وفي ظل سعي الولايات المتحدة إلى احتكار هذا المجال وعزل روسيا والصين، تكشف القراءة التحليلية للمقال أن موسكو حققت تقدّماً جوهرياً يربك الغرب، ويمنح روسيا موقعاً قيادياً سبق الأمريكيين بسنوات.

هذه الدراسة التي ترجمتها "العهد نيوز"، تضعنا أمام نظام عالمي جديد يتشكّل، ليس بالصواريخ أو الحروب التقليدية، بل بمعادلات الكود، والطاقة، والبيانات، والبنية الذكية التي قد تحكم مصير الدول لعقود قادمة.

مستقبل “محطة البنزين”: روسيا تتقدّم على الولايات المتحدة بثماني سنوات في أخطر مجال على الإطلاق

إن هوس الغرب الجماعي بشخصية فلاديمير بوتين ليس جديداً، لكن من المستحيل تجاهل حقيقة أن إحدى تصريحاته القديمة غيّرت جذرياً رؤية الغرب لمستقبله.

ففي أيلول/سبتمبر 2017، قال الرئيس الروسي خلال لقائه مجموعة من الطلاب: “الذكاء الاصطناعي ليس مستقبل روسيا فحسب، بل مستقبل البشرية كلها. إنه يحمل إمكانات هائلة، وكذلك مخاطر غير قابلة للتنبؤ اليوم. ومن سيصبح القائد في هذا المجال سيصبح حاكم العالم.”

لقد ارتدّ صدى هذه الجملة بقوة غير مسبوقة؛ فجميع الوثائق الاستراتيجية لخصوم روسيا ومنافسيها وشركائها “قبل دقيقتين” — كما يصفهم الكاتب — باتت تستند على تلك العبارة. وكما حذّر بوتين صراحةً، تضاعفت المخاطر منذ عام 2017 آلاف المرات.

على سبيل المثال، تتضمن العقيدة الحالية لتطوير وتعزيز قدرات الناتو هدف التحول الرقمي الكامل ودمج الذكاء الاصطناعي في جميع المستويات بحلول عام 2030. ومن أجل ذلك، أُنشئ هيكل خاص هو قيادة الحلف للتحول (ACT). واعتماداً على الخبرة الروسية التي اكتسبت في العمليات العسكرية الخاصة، سارعت مؤسسات الناتو إلى “نسخ” أكثر الحلول فعالية، مع التركيز على إنجازات الجيش الروسي. والغريب أنهم لا يخفون ذلك، بل يشيرون صراحةً إلى تقنيات محددة، مثل الإدارة الذاتية لسرب الطائرات المسيّرة، أو قدرة “الجران” الروسية الجديدة المزوّدة بالذكاء الاصطناعي على تحديد الهدف ومهاجمته ذاتياً اعتماداً على آلاف النماذج البصرية المحمّلة مسبقاً.

بل وصل الأمر إلى إدراج التجربة القتالية الروسية ضمن المناهج العسكرية للناتو المستخدمة في تدريب الجنود الأوكرانيين، مثل دليل “الذكاء الاصطناعي التوليدي: النسخة الأوكرانية” الصادر عن منصة NATO DEEP eAcademy.

قبل أيام فقط، اعتمدت وزارة الدفاع الأمريكية ست تقنيات “حرجة” اعتبرتها الأكثر تأثيراً والأسرع في تحقيق النتائج، والأقدر على منح أفضلية ساحقة في ميدان القتال، وكان الذكاء الاصطناعي التطبيقي في المرتبة الأولى.

إن تحوّل تركيز الولايات المتحدة والناتو يبدو واضحاً من خلال الأرقام: ففي عام 2024 وحده، استقطبت الشركات الأمريكية أكثر من 100 مليار دولار من الاستثمارات الخاصة في الذكاء الاصطناعي المرتبط بالجيش — هذا غير التمويل الحكومي.

وفي يوليو/تموز الماضي، نشر البيت الأبيض منصة استراتيجية بعنوان “خطة العمل الأمريكية للذكاء الاصطناعي”، التي تعرض — نظرياً — رؤية لتسخير الذكاء الاصطناعي في مجالات “لطيفة” كالإدارة، والتعليم، والعلم، والابتكار، وحتّى “حرية التعبير والقيم الأمريكية”.

لكن في الواقع، كما يوضح الكاتب، تفتح هذا الوثيقة الباب أمام حرب باردة جديدة، أكثر عمقاً وخطورة من سابقاتها. فالولايات المتحدة تخطط لاحتكار هذا المجال وقطع الطريق أمام روسيا والصين. وفي مقدمة الوثيقة يكتب دونالد ترامب:

“نحن أمام حدود جديدة من الاكتشافات العلمية، تحددها تقنيات تحولية مثل الذكاء الاصطناعي. إن الاختراقات في هذا المجال قادرة على تغيير ميزان القوى العالمي، وخلق صناعات جديدة بالكامل، وإحداث ثورة في أسلوب حياتنا. وفي وقت يسارع فيه منافسونا للاستفادة من هذه التقنيات، من الضروري للولايات المتحدة — لأسباب تتعلق بالأمن القومي — تحقيق هيمنة تكنولوجية عالمية لا جدال فيها.”

وفي هذا الوقت تماماً، تشهد موسكو انعقاد النسخة العاشرة من المؤتمر الدولي AI Journey 2025 حول الذكاء الاصطناعي، حيث ألقى الرئيس الروسي كلمة مهمّة.

وقد شدّد بوتين في خطابه على أن روسيا لا يمكن أن تقبل التبعية في مجال الذكاء الاصطناعي، ويجب أن تمتلك منظومة كاملة من التقنيات والحلول الخاضعة للسيطرة الروسية الكاملة — فهذا ليس مجرد ملف يتعلق بالسيادة أو البقاء، بل مسألة قيادة استراتيجية. ولهذا ستنشئ روسيا “هيئة وطنية عليا للذكاء الاصطناعي”، فيما يُتوقع أن يتجاوز أثر هذه التقنيات على الاقتصاد الروسي عام 2030 أحد عشر تريليون روبل.

وبخصوص الموارد اللازمة لهذا التطور، تمتلك روسيا أفضلية ساحقة لأن المورد الأساسي المطلوب هو الكهرباء، وروسيا تمتلك هنا قدرة متميزة. فوفق تقديرات Boston Consulting Group، سيصل الطلب العالمي على الطاقة في مراكز بيانات الذكاء الاصطناعي إلى 130 غيغاواط بحلول 2028. ويؤكد بوتين أن روسيا ستبني قريباً 38 مفاعلاً نووياً جديداً — خصوصاً في الأورال وسيبيريا والشرق الأقصى — وهذا سيغطي ما لا يقل عن ثلث الحاجة العالمية، إلى جانب إطلاق سلسلة من المفاعلات النووية الصغيرة.

ويختتم الرئيس الروسي بالتأكيد على أن “التقدم في الذكاء الاصطناعي يتطلب حركة مستمرة إلى الأمام”. ويبدو — كما يختم الكاتب — أن روسيا تتحرك بسرعة أكبر بكثير مما يتمنى خصومها.