أوروبا أمام المجهول.. هل انتهى زمن القارة العجوز في مواجهة روسيا؟
25-11-21 10:18:00

العهد/ ترجمة روسي

في مقال تحليلي عميق نشرته وكالة "ريا نوفوستي" بقلم ألكسندر ياكوفينكو، يقدّم الكاتب رؤية شاملة حول مستقبل العلاقات الروسية–الأوروبية في ظل انهيار المنظومة الغربية التقليدية وتفكك الركائز التي كانت تشكل أساس النفوذ الأوروبي.

يطرح المقال الذي ترجمته "العهد"، سؤالاً استراتيجياً جوهرياً: هل ما يزال لأوروبا مكان تحت شمس النظام الدولي الجديد، أم أن المشروع الأوروبي، الذي نشأ كأداة مضادة لروسيا، بلغ نهايته التاريخية؟

ولأن القارة اليوم تعيش أزمات اقتصادية، وسياسية، وهوياتية، وتفقد تدريجياً قدرتها على اتخاذ قرار مستقل، يكشف النص أن العلاقة مع موسكو لم تعد مجرد ملف خارجي، بل مسألة وجود بالنسبة لأوروبا نفسها. أما روسيا، التي تحولت إلى قطب مستقل الجذور والهوية، فلم تعد ترى في أوروبا مركز الثقل الذي كان يوماً ما، بل كياناً متهالكاً يعاني من أزمات بنيوية قد تعيد رسم خريطته السياسية بالكامل.

هذه القراءة تقدم تحليلاً يربط الماضي بالحاضر، وتستشرف ملامح مستقبل قد يشهد نهاية “الغرب التاريخي” وبداية واقع جيوسياسي جديد يفرض على أوروبا الإجابة عن سؤال مصيري: هل تعود شريكاً أم تتحول إلى هامش جغرافي وسياسي؟

روسيا وأوروبا: مستقبل العلاقات

لقد أصبح الصراع الأوكراني اختباراً حقيقياً لجدارة النخب الأوروبية، التي تورطت بالكامل في هذه الحرب الهجينة ضد روسيا أملاً في تحقيق “هزيمة استراتيجية” لها، أو كما قال جون ميرشايمر: “القضاء عليها”. إلا أن النتيجة جاءت معاكسة تماماً: فبعد الانهيار الواضح للموقف الأوكراني، باتت تلك النخب مقيدة سياسياً وأخلاقياً بـ“عربة” زيلينسكي، وعاجزة عن التراجع. ومن هنا نفهم لماذا راهنت العواصم الأوروبية، رغم الحقائق الميدانية، على تمديد الصراع لثلاث سنوات إضافية — كما صرّح وزير خارجية بولندا رادوسلاف سيكورسي — بهدف الاستعداد لحرب مباشرة مع روسيا، وهي الحرب التي يحدد لها وزير دفاع ألمانيا بوريس بيستوريوس موعداً تارة في 2029 وأخرى قبل ذلك بعام.

وفي ظل هذا المشهد، تتصاعد في أوروبا نقاشات حول دور القارة المستقبلي، وإمكان استعادة العلاقات مع موسكو. فإذا كانت الولايات المتحدة في عهد ترامب قد اختارت طريق “القوة العظمى” لتعود إلى مستوى روسيا والصين، فإن هذا يعني نهاية “الغرب التاريخي” بما فيه الناتو، كما يعني سقوط أوروبا خارج مشروع عالمي استنفد نفسه.

فحتى الدول الأوروبية الكبرى — ومن بينها بريطانيا — لا تملك مقومات القوة العظمى في عالم “الدول السيادية القوية” كما يراه ترامب. وتزداد الصورة قتامة مع ملاحظة الخبير الفرنسي جاك سابير، خلال مشاركته في “حوار بطرسبورغ” في موسكو، بأن “الاتحاد الأوروبي يخرج تدريجياً من التاريخ، بينما تواصل روسيا الحفاظ على جذورها العميقة فيه.”

بكلمة أخرى: المشروع الأوروبي، الذي بُني في حقبة مختلفة وكأداة مضادة لروسيا، لم يعد قادراً على التأقلم مع السياق الجيوسياسي الجديد — ومن هنا نفهم مستوى الكراهية غير المسبوق لروسيا داخل أوروبا.

 

أولاً: مستقبل أوروبا نفسها

 

من السخرية أن كلمات ليرمنتوف تصف وضع أوروبا بدقة: “مستقبلها — إما فراغ أو ظلام.”. حتى الأوروبيون غير واثقين بمستقبل قارتهم:

      •     ركود اقتصادي يضرب القوى الكبرى، بما فيها بريطانيا.

      •     أزمة هجرة خانقة.

      •     أنظمة سياسية عاجزة عن تقديم أي حلول.

ومن هنا الانزلاق نحو قمع حرية التعبير وإسكات المعارضة؛ لأن النخب الحاكمة لم تعد قادرة على البقاء دون السيطرة على المجال الإعلامي.

أما المحاولة الأمريكية للخروج من هذا المأزق عبر ترامب، فهي منبوذة أوروبيًا باعتبارها “تهديداً للاستقرار”.

ثانياً: صراع الهويات في أوروبا

هناك مواجهة بين نخب كوزموبوليتية تمثل 10% من السكان، وبين أغلبية متمسكة بتقاليدها وهويتها التاريخية.

كذلك هناك صراع بين بيروقراطية بروكسل فوق-الوطنية وبين الدول القومية التي سلّمت الاتحاد الأوروبي جزءاً كبيراً من سيادتها، ما خلق أزمة شرعية.

الأزمة الفرنسية–الألمانية تعمّق المأزق؛ إذ تصف فايننشال تايمز البلدين بأنهما “مستنقع اقتصادي”. أما ألمانيا — التي كانت ترى الاتحاد الأوروبي “الرايخ الرابع الاقتصادي” — فقد ضربتها أزمة الطاقة والتصنيع فبدأت حنيناً إلى المارك الألماني.

يضاف إلى ذلك أن 40% من معاشات التقاعد في فرنسا تُموَّل من الديون. ومن المستحيل إصلاح هذا الخلل عبر مزيد من العسكرة والإنفاق العسكري.

 

ثالثاً: مستقبل ألمانيا الموحّدة

 

مستقبل ألمانيا محاط بالشكوك:

      •     صعود “البديل من أجل ألمانيا”.

      •     عودة أفكار “الرايخبورغر” لإحياء الرايخ الثاني.

      •     تنامي النزعات الانفصالية مثل النزعة البافارية.

كل ذلك يتفاقم مع مسار العسكرة، المترافق مع انهيار “دولة الرفاه” الأوروبية.

 

رابعاً: الصراع الأوكراني كان مؤامرة ضد أوروبا

 

وفق الكاتب، كانت الأزمة الأوكرانية مؤامرة أمريكية لإجهاض أي تقارب روسي–ألماني، ولمنع تشكل “نظام روسي–أوروبي” داخل القارة. وهذا المخطط نجح.

وتحت ضغط العقوبات، اضطرت روسيا — رغم رغبتها — أن تكون جزءاً من عملية تفكيك أوروبا، كما حدث أيام نابليون وهتلر حين اضطرت للدفاع عن وجودها وهويتها.

بل من المتوقع أنه في حال تفكك الاتحاد الأوروبي ستتجه بعض دول أوروبا الوسطى والشرقية نحو روسيا لأسباب اقتصادية وثقافية أيضاً.

 

خامساً: هل يمكن استعادة العلاقات؟

 

الجواب: نعم، ولكن ليس قبل تغيير النخب الأوروبية الحالية.

يجب على أوروبا أن تتذكر أن نموذجها الاجتماعي كان “رداً” على التحدي السوفيتي، وأن نجاحها الاقتصادي بعد الحرب كان متصلاً بروسيا عبر الطاقة والمواد الخام.

لكن اليوم، الولايات المتحدة لا تريد منافساً أوروبياً — وقد أدى ذلك إلى تهميش أوروبا بالكامل.

 

سادساً: الإرث الثقافي الأوروبي في روسيا

 

روسيا أخذت أفضل ما أنتجته أوروبا من ثقافة، وأعادت إحياءه، من الأدب إلى الموسيقى إلى الفن التشكيلي.

وكما قال أندريه مالرو: “الإرث الثقافي يُبدع من جديد عبر إعادة صياغته” — وهذا ما فعلته روسيا.

سابعاً: المستقبل بيد أوروبا

إذا استطاعت أوروبا حل أزماتها، فستكون موسكو مستعدة لاستئناف العلاقات، لكن روسيا الآن أعادت تموضعها نحو الجنوب العالمي والشرق، الأقرب إليها حضارياً. ويمكن لأوروبا أن تثبت حضارياً أنها قادرة على التكامل مع هذا العالم الجديد.

أخيراً: أوروبا بين طريقين

ستواجه القارة خياراً حاداً:

      1.   الانخراط في عسكرة مدمّرة هدفها إنقاذ الصناعات العسكرية الأمريكية، عبر رفع الإنفاق الدفاعي إلى 5% من الناتج المحلي للدول الأوروبية.

      2.   إعادة بناء نفسها على أسس قومية وسيادية بعيداً عن مشروع بروكسل والأطلسي.

أما روسيا فستتجه إلى علاقات ثنائية مباشرة مع كل دولة أوروبية على حدة، بعيداً عن “بروكسل”.