يمثل القرار التفسيري الصادر عن المحكمة الاتحادية العليا بالعدد (213/اتحادية/2025) بتاريخ 17/11/2025 لحظة فاصلة في مسار النظام الدستوري العراقي، لما انطوى عليه من إعادة تعريف دقيقة لحدود الشرعية الدستورية وآليات انتقال السلطة في الدولة. فقد جاءت المحكمة، برئاسة القاضي منذر إبراهيم حسين وعضوية السادة القضاة كافة، لتضع حدًا للجدل الدائر منذ سنوات حول الطبيعة القانونية للصلاحيات التي تملكها السلطتان التشريعية والتنفيذية بعد يوم الاقتراع العام لانتخاب مجلس النواب الجديد، ولتؤكد أن الإرادة الشعبية المعبّر عنها في صناديق الاقتراع هي الأساس الذي تُقاس عليه شرعية السلطة وحدود امتدادها.
إن هذا القرار لم يقتصر على تفسير المادة (56) من الدستور بوصفه نصًا حاكمًا يحدد مدة الدورة البرلمانية فحسب، بل تجاوز ذلك إلى ترسيخ مبادئ دستورية محورية تتعلق بانتهاء الولاية السياسية للمؤسسات المنتخبة بمجرد إجراء الانتخابات العامة، وتحول الحكومة تلقائيًا إلى تصريف الأمور اليومية، ومنع أي تمديد للسلطة خارج المدد التي وافق عليها الشعب عبر الاستفتاء على الدستور. وبذلك أعادت المحكمة صياغة المشهد الدستوري العراقي على نحو يعزز مبدأ التداول السلمي للسلطة ويغلق الباب أمام أي تأويل قد يؤدي إلى تعطيل هذا المبدأ أو الانتقاص منه
ان هذا القرار ارتكز على ثلاث اعراف دستورية جديدة في العراق وكالاتي :-
1) انتهاء الشرعية السياسية لمجلس النواب ومجلس الوزراء يوم الاقتراع العام
أكّدت المحكمة أن يوم الانتخابات العامة يشكّل الحدّ الفاصل بين شرعية منتهية وأخرى متجددة، وأنه يمثّل “النهاية الطبيعية” لولاية مجلس النواب السابق ومجلس الوزراء المنبثق عنه. وبمجرد انتخاب مجلس النواب الجديد تزول الشرعية السياسية للسلطتين التشريعية والتنفيذية السابقتين ، وهذا ماورد في النص التفسيري الوارد في المبدأان الرابع والخامس.
2) تحول صلاحيات الحكومة إلى صلاحيات تصريف الأمور اليومية
اعتبارًا من يوم الاقتراع العام، تفقد الحكومة صلاحياتها الكاملة وتتحول إلى حكومة تصريف أمور يومية، ولا يجوز لها اتخاذ قرارات جوهرية مثل:
– التوقيع على الاتفاقيات الدولية
– إبرام العقود الكبرى المؤثرة
– اقتراح القوانين
– عقد القروض
– التعيين أو الإعفاء في المناصب العليا
وهذا ماورد في المبدأان الثاني والتاسع في القرار.
3) عدم جواز تجاوز المدد الدستورية بأي حال
شددت المحكمة على أن المدد المنصوص عليها في الدستور، وخاصة المادة 56، تعد إلزامية وغير قابلة للتجاوز، وأن أي تجاوز لها يمثل مخالفة لإرادة الشعب التي ثُبتت عبر الاستفتاء على الدستور ، وهذا ماورد في النص التفسيري المنصوص عليه في المبدأ السادس.
